عاش المعهد العالي للفنون المسرحية فرحته السنوية وحفل تخرج دفعة السنة الرابعة من المعهد، وعاش معهم الجمهور المحب للمسرح وأهالي المتخرجين وأصدقاؤهم، الجميع اجتمعوا أمام ستارة مسرحية «حمام رومان» ليشاهدوا فرحة تخرج طلبة السنة الرابعة، تحت إشراف د. فهد السليم أستاذ المشروع والمشرف عليه.
لا تعتبر المسرحية مشروع تخرج بمفهومها العام، لأن عددا من المشاركين فيها يمتلكون خبرات في مجال العمل الفني مثل المخرج منصور المنصور وبطل العمل نواف القطان ومصمم الأزياء موسى آرتي وهو أستاذ متخصص في هذا المجال والمخرج الإذاعي سعود المسفر الذي أشرف على الموسيقى وشذى سبت وهي صاحبة خبرة لا بأس بها في التمثيل وغيرهم، كل هذا العدد قلل من كون العمل مشروع تخرج، ورفعه إلى مستوى الأعمال المسرحية الرسمية، لذلك كنت أتابع العمل بنظرة الجمهور المسرحي وليس كمتابع لمشروع تخرج أكاديمي.
رجل بسيط
«حمام روماني» مسرحية قديمة من تأليف البلغاري ستانسلاف ستراتيف وتحكي قصة رجل بسيط اشترى أرضا وبنى بيته المتواضع فوقها، وأثناء البناء اكتشف فيها حماما رومانيا أثريا، ولأن الآثار في بلدته تحظى باهتمام الجميع وتعتبر موردا ماليا كبيرا ومهما، كان هذا الاكتشاف بمثابة كنز رزقه الله إياه، ولكن.. هل يتركه الآخرون يفوز به لوحده، وهل يمكن للأفواه المفتوحة والأشداق الشرهة والقلوب العطشة أن تترك هذا المسكين يفر بما اكتشفه من كنز ثمين لوحده؟!
بدأت المعاناة معه تطرق الأبواب، أستاذ جامعي يريد أن يثبت أنه صاحب الفكرة وأنه قدم العديد من الدراسات في هذا الموضوع، قائد فرقة موسيقية يريد أن يحتفل بهذا الاكتشاف لأنه اكتشاف وطني ويستحق الاحتفال به، ومقاول البناء الذي يبني البيت يرى أنه هو الذي اكتشف هذا الأثر المهم ومن الطبيعي أنه أصبح صاحبه ومالكه، وهناك أيضا الفضوليون الذين يبتكرون طرقا عجيبة من أجل أن يكون لهم نصيب في بيع الأثر الروماني القديم، كلهم يريدون أن يسرقوا الكنز من صاحب البيت البسيط.
ليالي أنس
في لحظة.. تمنى هذا الرجل لو أن الأرض انشقت وبلعته وأنقذته من طمع الناس، لم يمر عليه في حياته مثل هذا الجنون من البشر، انكشفوا له بطريقة خطيرة، كلهم يريدون سرقة الكنز من خلال التدخل في حياته، فتحدث في منزله الكثير من المفاجآت التي لم تكن تخطر له على بال، حتى إن بعضهم أحيا ليالي أنس وطرب وديسكو وحفلات غنائية.. وجد نفسه من دون مقدمات يخوض غمارها.
تتطرق المسرحية بطريقة غير مباشرة إلى الجشع الإنساني البشري، ففي لحظة يشعر الإنسان بأنه وحده في هذه الحياة، ولكن فجأة.. يجد الجميع يتهافت على خدمته والتدخل في شؤون حياته، المال بطبيعة الحال هو الذي يغير النفوس، وعندما اكتشف هذه الحقيقة في الناس تصلب في رأيه ولم يبع بيته إلى أحد واحتفظ بالأثر الروماني (الكنز) وتزوج بالمرأة التي يحبها وأكمل حياته.
قدمت المسرحية مواهب متعددة رائعة في الفن المسرحي نفتقدها حاليا، ولكن المخرج لم ينجح في تحريكها بطريقة صحيحة، اعتمد على حسها الفني وقدرتها وموهبتها فقط، من دون أن يضع له لمسات إخراجية خاصة به، كان العمل بحاجة إلى الحركة الحرة على الخشبة ولكن الديكور قيد المخرج كثيرا وجعله يحرك شخوصه في مساحة ضيقة جدا لم تتجاوز الحوض الروماني ومقدمة الخشبة، فيما أهمل بقية المساحة ولو أنه استفاد منها لكان العرض أفضل.
إحباط
كما أصابنا مخرج الإضاءة بالإحباط، إنه في واد والعمل في واد آخر، اعتمد طوال المسرحية على الإضاءة العامة والتركيز على الخشبة كلها، مع أن النص مليء بالخصوصية التي تحتاج إلى تركيز الإضاءة عليها.. لاسيما أن الفنانين كانوا ملتزمين بالنص ومن السهل التعامل معهم في توزيع وتركيز الإضاءة.
كان العرض المسرحي جميلا قضينا معه أمسية ممتعة، ولكنه أدمع عيوننا وقلوبنا.. هل يمكن أن نستوعب أن المعهد العالي للفنون المسرحية لا يملك صالة عرض مسرحية مزودة بأحدث التقنيات السمعية والإضاءة والمؤثرات الصوتية؟! كيف سيتعلم الطلبة وكيف سيطورون الحركة المسرحية في الكويت؟ إنها مأساة فنية حقيقية، لم نسمع طوال العرض سوى صراخ الفنانين (!) وهم معذورون في هذا ذلك لأن مسرح الدسمة الذي يعتبر مسرح الدولة الرسمي يفتقد كل مقومات العرض المسرحي الحديثة للأسف الشديد.